السبت، 15 فبراير 2014

7)) نبذة عن نشأة فكرة التطور قديما ًوحديثا ً...

في حوار أحد الأخوة الأحباب معي حول فهم التطور وتبسيطه :
سألني عن :
نشأة فكرة التطور كما وصفه وعبر عنه دارون والتطوريون ؟
فأجبت عليه بالآتي .. ومن بعد بسم الله الرحمن الرحيم :

1...
في الماضي لاحظ الإنسان بفطرته العادية : تدرج ترتب المخلوقات على بعضها البعض .. بمعنى : أن الإنسان على رأس السلاسل الغذائية : يتغذى مثلا ًعلى الحيوانات (برية وبحرية وطيور) وعلى النبات .. ثم يلي الإنسان : الحيوان بتدرجاته .. ثم يليه النبات .. وهكذا .. إلى أن يقبع في النهاية الجماد الأصم .. واشتهرت تلك السلسلة وذلك الترتيب عند بعض الفلاسفة قديما باسم :
(( السلسلة العظمى للموجودات )) .. وجعلوا فيها من بعد الإنسان وإلى الأعلى : الملائكة ثم الرب :


2...
وقد أشار الكثير من الفلاسفة والعلماء كما قلت لهذا التدرج والترتيب (وليس التطور) قديما ً: ومنذ اليونان كـ (أفلاطون) .. ومرورا ًحتى ببعض الفلاسفة والعلماء المسلمين ..
وكل ذلك لا علاقة له بالتطور وكما قلت ولكنه : أشبه بعمليات تصنيف الكائنات الحية لسهولة دراستها في العصر الحديث :
نباتات كذا وكذا .. فقاريات كذا .. لا فقاريات كذا .. إلخ .. فهو مجرد تقسيم : ولا علاقة له بالتطور ..

3...
عند ترجمة كتاب أصل الأنواع لداروين للغة العربية ولأول مرة على يد إسماعيل مظهر الليبرالي :
فقد كتب هذا الأخير نبذة في مقدمة كتابه : حاول فيها أن يثبت قدم فكرة التطور والنشوء والارتقاء في التاريخ الإنساني عموما ً!!!..

وذلك ليوحي بأنها فكرة (فطرية) ! وأنها ليست غريبة على العقل الإنساني أبدا ًتخيلها !!!!..
فبدأ بالإشارة إلى أقوال الفيلسوف الإغريقي أنتكسمندر (والصواب : أنكسيمندر Anaximander عاش 610 : 540 قبل الميلاد) ..
والله أعلم بأمانة النقل لإسماعيل مظهر : ولكنه أوحى للقاريء بأن (تقسيم مراتب الكائنات) : يوحي بـ (تطورها من بعضها البعض) !!!!..
< وهكذا هي الأفكار الشاذة : لا تصدر إلا عن شواذ العقيدة التائهين في بحر الحياة ! >

وحاول نسبة ذلك أيضا بالتلميح تارة وبالتصريح تارة : لبعض مشاهير الإسلام أنفسهم على اختلاف مشاربهم مثل إخوان الصفا وابن مسكويه الخازن وابن خلدون والجاحظ إلخ ...

4...
ومن أبرع مَن تصدى لهذه المغالطات بالتفنيد وجزاه الله خيرا ًعنا - فقد أغنانا عن كثير بحث وتنقيب وترجمة - : هو الأخ في الله : الدكتور حسام الدين حامد من منتدى التوحيد .. حيث قام بنفي مزاعم نسبة القول بالتطور لإخوان الصفا وأرسطو وابن رشد الحفيد إلخ كما ادعاها إسماعيل مظهر .. وسوف أعرض ذلك بالتفصيل في فصل الإسلام والتطور إن شاء الله ..

5...
وعلى ذلك تتبقى أكذوبة واحدة لإسماعيل مظهر في نبذته عن قدم فكرة التطور التي ادعاها في مقدمة ترجمته لكتاب داروين أصل الأنواع : وتلك الأكذوبة هي : ما نقله ونسبه إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أنكسيمندر Anaximander والذي عاش 610 : 540 قبل الميلاد !!!..
وسأورد لكم كلامه الذي نقله أولا ً: ثم الكلام الحقيقي ثانيا ً:
وذلك لنعرف أن عدم الأمانة في النقل : هي صفة لصيقة للباطل لكي يستطيع فقط الوقوف - ولو لقليل - أمام الحق : فيخدع العوام والبسطاء والجهال لبعض الوقت !!!..

فقد كتب إسماعيل مظهر في مقدمة ترجمته لأصل الأنواع :
" وأقدم ما وصل إلينا مما عُثر عليه إلى الآن من تراث الأقدمين، هو ما قاله الفيلسوف الإغريقي "أنتكسمندر" (610 ق. م) "أن نشأة الكائنات الحية هو نتيجة تأثير الشمس على الأرض، وتميز العناصر المتجانسة بالحركة الدائمة، وأنّ الأرض كانت في البداية طينيةً ورطبةً أكثر مما هي عليه الآن، فلما وقع فعل الشمس دارت العناصر الرطبة في جوفها، وخرجت منها على شكل فقاقيع، وتولدت الحيوانات الأولى، غير أنّها كانت كثيفةً ذات صورٍ قبيحةٍ غير منتظمة، وكانت مغطاةً بقشرةٍ كثيفةٍ تمنعها من الحركة والتناسل وحفظ الذات، فكان لابد من نشوء مخلوقاتٍ جديدة، أو بسبب ازدياد فعل الشمس في الأرض لتوليد حيواناتٍ منتظمة يمكنها أن تحفظ نفسها وتزيد نوعها، أما الإنسان فإنّه ظهر بعد الحيوانات كلها، ولم يخل من التقلبات التي طرأت عليه، فخُلقَ أول الأمر شنيع الصورة ناقص التركيب، وأخذ يتقلب إلى أن حصل على صورته الحالية" ، وهذه الفقرة تحمل معظم مبادئ أصل الحياة والنشوء والارتقاء، والانتقاء والتمايز وتأثير الظروف المحيطة، وإذا كانت قد كُتبت من ستة قرونٍ قبل الميلاد، فلابد من وجود تلالٍ من المحررات المماثلة السابقة لهذه الحضارة المتوسطة الموضع في سجل الحضارات " !!!..

وعزا إسماعيل مظهر هذا النقل إلى : (( دائرة المعارف العربية للبستاني )) !
ويمكن الاطلاع على كلامه ذلك في الصفحة 52 من الترجمة العربية الثانية لكتاب أصل الأنواع لمجدي محمود المليجي ..

< ملحوظة : البستاني هذا صاحب دائرة المعارف تلك : هو نصراني واسمه : بطرس بن بولس بن عبد الله البستاني .. وكتبها أيام حكم الخديوي إسماعيل لمصر >

6...
وبالطبع الكلام المنقول بالأعلى : هو ليس صحيحا .. ولذلك فهو مربك لكل باحث عن الحق يعلم بجلاء أن خرافة التطور : لم تظهر إلا متأخرا ًعند كل مَن كرهوا الخالق عز وجل في صورة الكنيسة الأوروبية المتخلفة والغاشمة الظالمة !
ولذلك فهي تربك المسلم العادي في أولها .. وإلى أن تنفتح عيناه على الحق بإذن الله ..

< حاولت الاطلاع بنفسي على دائرة المعارف هذه لأعرف أصل الخطأ : هل هو من كاتبها النصراني : أم تعمد تحريف من إسماعيل مظهر : ولكني للأسف لم أحصل إلا على المجلد الأول منها فقط : ولم يكن قد انتهى فيه بعد من حرفي الألف والباء التي تليه !! >

وهنا قام دكتورنا الفاضل حسام الدين حامد في موضوعه : (( وإذن : ليس أصل الإنسان سمكة )) :
قام بنقل أصل كلام وعقيدة أنيكسمندر ..
< ولاحظوا فرق المعنى بين ما ستقرأونه الآن : وما قام بنقله إسماعيل مظهر > :

فأنيكسمندر هو :
" أعظم أعلام المدرسة الأيونية منزلةً، وأوسعها شهرةً، وأكبرها أثرًا " ..
المصدر : الانقطاعات المعرفية في الفكر الفلسفي اليوناني حتى عصر أرسطو – سمر سمير أنور – صفحة 46.

وأما فكرته الحقيقية فهي :
" أنه يرى أن الحيوانات جميعًا كانت بدايتها في المياه محاطةً بلحاءٍ شائك، وبعد ذلك انتقلت إلى الأجزاء اليابسة من الأرض فانشق عنها اللحاء، وعاشت على الأرض حينًا من الزمن، استبقت فيه نوعها بالتناسل، ولما كان الإنسان يختلف عن هذه الكائنات، من جهة كونه لا يستطيع حماية نفسه في صغره، ويحتاج إلى سنين عديدةٍ ليستطيع القيام بشأن نفسه، وبالتالي فخروجه إلى اليابسة رضيعًا دون أسرةٍ تحميه، يعني أنّه سيموت فينقرض نوعه وهذا ما لم يحدث، خرج أنكسيمندر من هذه المعضلة باستثناء الإنسان من هذا العموم، فزعم أن الإنسان نشأ عن الأسماك، بعد أن ظل في جوفها حتى بلغ سنًّا يؤهله، لحماية نفسه والتكاثر ثم حماية نسله، وليس هناك ما يمنع أن يكون أنكسيمندر قال بهذا القول في سائر الحيوانات، التي يعجز صغارها عن رعاية نفسها في وقتٍ قصير، ولكنّ الذي بلغنا هو قوله في الإنسان وحسب " !!!..
المصدر ترجمة من : The Presocratic Philosophers – Jonathan Barnes – P 15

والفرق طبعا ًواضح في أنه حتى ذلك الفيلسوف الإغريقي بفكرته الأسطورية الخرافية تلك : لم يدع نشوء الكائنات الحية وتطورها من بعضها البعض !!!..

7...
وبمثل هذه المقدمة الغير صحيحة لإسماعيل مظهر : سواء في ادعاءاته على مشاهير الإسلام : أو عدم تحريه (( بنفسه )) ما نقله عن الفيلسوف الإغريقي : فضلا ًعن ادعاءه كذبا ًأنه يسبق ذلك حتما في التاريخ الإنساني الكثير مثله !!.. أقول أنه بتلك المقدمة الغير صحيحة :
فقد تأثر بها الكثيرون للأسف ممَن وثقوا بأدعياء الثقافة والتعلم والتحضر والمدنية الغربية !!!..

وإلى أن سار على نفس النهج في التزييف والتحريف وغمز عقيدة الخلق الإلهي :
المشروع الثاني لترجمة الكتاب تحت عناية العلماني جابر عصفور المصري ..
ومعها مقدمة تفخيمية بأسلوب النفخ في التراب بقيادة النصراني : سمير حنا صادق : حتى وصل به التفخيم إلى أن نسب لنظرية داروين - والتي قال أنها صارت حقيقة علمية لا شك فيها بتاتا ً- نسب إلى تلك النظرية المتهافتة كل إنجاز علمي وطبي اليوم تقريبا ً: وفي استخفاف عجيب بعقل القاريء !!!!..

ولم يذكر لنا الإقحام المتعمد لنظرية التطور وآلياتها في العلوم .. واستغلال بعض الظواهر الطبيعية في الكائنات الحية مثل التكيف والتأقلم والطفرات والتهجين لادعاء أنها من التطور ! وعليه تكون دراسة هذه الظواهر أيضا ًهو تابع للتطور بزعمهم !!!.. وكل ذلك سنضحده فيما بعد إن شاء الله ..
ثم أكمل على نفس اللحن مترجم الكتاب : العلماني أو التغرييبي أو الحداثي : مجدي محمود المليجي ...
-------------------
---------------------------
  
والآن ...
سأبدأ معكم في استعراض نشأة فكرة التطور والنشوء والارتقاء بشكلها الحديث : وكما ذكرها داروين نفسه ...

8...
حيث نقرأ في الترجمة الثانية لكتاب أصل الأنواع : وهي التي لمجدي محمود المليجي : واسمها :
(( أصل الأنواع .. نشأة الأنواع الحية : عن طريق الانتقاء الطبيعي أو :
الاحتفاظ بالأعراق المفضلة : في أثناء الكفاح من أجل الحياة ))

فقد أوردوا من الصفحة 37 : نبذة تاريخية كان قد كتبها داروين قبل نشر الطبعة الأولى من كتابه عن : تطور المعتقدات حول نشأة الأنواع الحية ...
حيث ذكر عددا ًكبيرا ًممَن سبقوه بالقول بكل أساطير وفرضيات التطور كما سنرى :

1...
أرسطو : ونسب إليه فكرة التطور .. وساق مثالا ًغبيا ًجدا ًلأرسطو عن اختلاف شكل الأسنان مع وظيفة كل منها (الضروس والأنياب والقواطع إلخ) .. والكلام كله لا وزن له من العلم !!.. وليس فيه تصريح بالتطور بمفهوم داروين أصلا !!.. فضلا ًعن أن المشهور عن أرسطو هو ثبات الأنواع : وكما سأتعرض له في فصل الإسلام والتطور ...

ثم انتقل داروين مباشرة للحديث عن القائمة الحديثة والتي سبقته بسنوات ..
ونلاحظ أنهم كلهم نتاج عصر كره للكنيسة : وهو العصر الذي دفعهم للرغبة في التملص من أوثق عقائدها الدينية وهي عقيدة الإله الخالق كما قلنا من قبل : ولمعرفتهم بالتأثير المباشر لذلك على الإلحاد ! وبالتالي يتم لهم التمرد التام على سيطرة الكنيسة في أوروبا في ذلك الوقت : والتي طالت حتى على العلوم ..
وتعالوا لنرى معا ً: مَن هم الذين ذكرهم داروين في العصر الحديث : ونبذة عن كل منهم ...

2...
حيث ذكر بوفون Buffon .. وذكر أنه أشار إلى تحولات الكائنات الحية من بعضها إلى البعض : ولكنه كان متقلبا ًفي رأيه هذا مترددا ً: ولم يذكر أو يقترح أي وسيلة لهذا التحول (مثل القول بأنه نتيجة طفرات أو تحورات لملائمة الطبيعة إلخ) .. ولهذا لم يقف داروين عنده كثيرا ً- هكذا قال داروين -

3...
ثم يأتي الدور الأكبر في لفت النظر إلى النشوء والإرتقاء في الكائنات الحية وتحولها : إلى العالم لامارك Lamarck !!!.. حيث يصفه داروين بأنه أسدى ( خدمة جليلة ) بلفت النظر إلى أن التغييرات التي تحدث في العالم العضوي وحتى الغير عضوي : يمكن جدا ًأن تكون نتيجة قانون : وليس لتدخل إعجازي !!!!!! - يقصد بالإعجازي هنا التدخل الإلهي : وهو نفس ما سار عليه داروين في كل كتابه وصرح به في أكثر من موضع ومنها عند حديثه عن العين - ..

وقد أعلن لامارك عن أفكاره لأول مرة عام 1801م ..
ثم زاد عليها وأضاف إليها في كتابه (الفلسفة الحيوانية) عام 1809م ..
ثم ختمها بكتابه (التاريخ الطبيعي للحيوانات الفقارية) 1815م ..
وأشار داروين إلى تأثر لامارك في أفكاره هذه عن تحول الكائنات من بعضها إلى البعض - بما فيها الإنسان - إلى ملاحظات لامارك للعديد من التشابهات بين الكائنات الحية وما يحدث في التهجين من خلط للصفات بين الأنواع المتقاربة إلخ ...
وأما الوسائل التي ذكرها لامارك لهذا التحول – أو النشوء والارتقاء بحد تصريح داروين - فهي :

>>> 
التأثير المباشر للعوامل الطبيعية ..
ويقصد به أن تؤثر الطبيعة على الكائن الحي : فتتحور أعضاؤه ليتكيف معها : فيتطور ويترقى إلى كائن آخر مختلف في الصفات !!.. ثم يورث ذلك إلى أبنائه !!!.. وكل هذه الفكرة البلهاء تم نسفها تماما ًفيما بعد على يد العالم (وايزمان) وتجربته الشهيرة في قطع ذيول الفئران لمدة 19 جيل !!!.. أي بما يعادل 570 سنة في عمر البشر ! وكانت تولد الفئران بذيول في كل مرة !!!.. بل نحن كبشر - وكمسلمين تحديدا ً- : نختن أولادنا الذكور لمدة زادت عن الـ 1400 سنة : وفي كل مرة يولد ذكورنا غير مختونين !!!..

وهذه القاعدة العلمية الوراثية المعروفة اليوم اسمها :
(( الصفات المكتسبة (أي في حياة الكائن الحي) لا تورث (أي إلى أبنائه) ))
فالنجار والحداد يكتسبون قوة العضلات مثلا ًفي حياتهما وكما قلنا : ولكنهما لا يورثونها أبدا ًلأبنائهما من بعدهما !!!.. هذا بخلاف أن الله تعالى قد أودع في خلايا الكائنات الحية بالفعل بعض نظم التكيف والتأقلم المحدود عند بعض اختلافاتها البيئية .. ولكن كل ذلك لا يرقى أبدا ًليكون وسيلة لظهور عضو جديد تماما ًأو صفة جديدة تماما ًليست من أصل الكائن نفسه : ولا يمكن أن تؤدي لتطور كائن من كائن أبدا ً.. وهو ما سنتعرض له بالتفصيل عند حديثنا عن حدود الحوض الجيني لأنواع الكائنات الحية والتي لا يمكن تجاوزها بحال .. لا بالتكيف ولا التهجين ولا حتى بالتلاعب الجيني فيها بواسطة الإنسان !!!..

>>> 
وأما الوسيلة الثانية التي أشار إليها لامارك فهي التهجين ..
حيث وقع لامارك في نفس الخطأ الذي تبعه فيه داروين وهو : اعتقادهم ( بغير دليل عملي تجريبي ) أن التهجين في يوم من الأيام ومع طول الزمان : قد ينتج أنواعا جديدة من الحيوانات !!!.. وهذه خرافة بالطبع : لا تقل في سماجتها عن الوسيلة الأولى التي اقترحها لامارك !!!..
وذلك لأن التهجين ومهما كان : فهو ينتج أبناء : من نفس نوع الآباء ولا يخرجون عنهم بحال !!!..
فالحصان العربي الأصيل يتم تهجينه مع حصان أوروبي أو غيره : فينتجان حصانا ًوليس أسدا ًمثلا !..

بل وحتى إذا اتسعت الدائرة لتشمل الأنواع المتقاربة : فهي تكون محدودة جدا ولا تنفع في كل الأنواع المتقاربة : ويكون الناتج دوما (عقيما) !!!.. وذلك مثل تهجين حصان مع حمار مثلا ً: فينتجان بغلا ً: ويكون دوما ًمقطوع النسل أي لا يلد !!!.. ولن ينتجان مثلا ًقردا ًأو غوريلا !!!.. بل :
وحتى لو لقحنا هذا البغل مع غيره صناعيا ً(وهو ما لا يحدث أصلا ًفي الطبيعة) : فلن يخرج الوليد عن دائرة الحصان والحمار والبغل !!!.. أو يموت الجنين أو يتشوه إذا كان مع نوع بعيد عنه ...
وكل ذلك سنراه بالصور والتفاصيل أكثر وذلك في فصل معضلات التطور : حدود التهجين ..

ومن هنا :
يتبين لنا خبث الداروينيين والتطوريين الجدد عندما قاموا بنسبة التهجين وما ينتج عنه من تغيرات في الصفات بـ : التطور الأصغر microevolution وذلك ليوحوا للعوام والبسطاء والجهال أنه صورة مصغرة بالتأكيد لما قد يحدث في يوم من الأيام من التطور الأكبر macroevolution !!!..

>>> 
وأما الوسيلة الثالثة للامارك فهي : الاستخدام وعدم الاستخدام ! أو : الاستعمال والإهمال ..!
ويقصد بها : أن العضو الذي يُستخدم كثيرا ً: ينمو ويطول أو يتضخم .. وأما الذي لا يُستخدم : فيتضاءل ويتصاغر أو يتلاشى ..!!
وأشهر مثال على ذلك ساقه هو : طول عنق الزرافة التي كانت في الأصل قصيرة العنق !
ولكنها عندما أكثرت من مد عنقها لأعلى للثمار المرتفعة : استطال إلى الشكل الذي نراه الآن !!!..
وبالطبع هذه الخرافة الثالثة هي الأخرى : تلحق بأختيها السابقتين في مزبلة التاريخ والعلم !
فلا حفريات الكائنات الحية المكتشفة للزراف تثبتها ...! ولا أي فرع محترم من فروع علم الأحياء !!!.. 
< ملحوظة : يُطلق على آثار الكائنات الحية الميتة منذ آلاف السنين وأكثر : اسم حفريات : ومثلها المتحجرات >

فحفريات كل كائن حي منذ ملايين السنين باعترافهم أنفسهم : هي هي مثلها مثل ذلك الكائن اليوم !!!..
ولا وجود لحفريات الانتقال بينهما أبدا كما تقتضي نظرياتهم ! وأما المفاجأة التي لا يعرفها الكثيرون :
فهي أن داروين نفسه كان متأثرا ًبأفكار لامارك الساقطة تلك - فالذي سفه عقله للتنصل من ربه الخالق : ستستهويه أي فكرة بالغة ما بلغت من التفاهة لاستبداله بها – وذلك كما ذكرته لكم في مشاركة :
هل كان داروين يؤمن بتوريث الصفات المكتسبة ؟؟..
وبذلك ننتهي من لامارك ..
أشهر أوائل مَن أثاروا فكرة التحول في الكائنات الحية : وتأثر بها داروين .. ولنتابع ...

4...
جيوفروي سانت هيلاري Geoffroy Saint-Hilaire .. وقد نشر ابنه كتابا ًعن حياته : أخبر فيه بأنه بدأ بالشك ربما عام 1795م في أن ما يسميه الناس أنواعا ًمستقلة من الكائنات الحية : ما هي إلا تطورات من بعضها البعض !!!.. ولكنه لم ينشر من ذلك شيئا ًإلى أن جاء عام 1828م .. وفيه صرح بأعتقاده أن الكائنات الحية لم تكن هكذا منذ أن وُجدت !!.. ويُرجع داروين ذلك الرأي لجيوفروي : لنظرته لتأثير البيئات على الكائنات الحية - أي تقريبا ًنفس الوسيلة الأولى التي قال بها لامارك - ..

ولكنه - ويا للغرابة - ولكي يهرب من سؤاله لماذا لا نرى مثل ذلك يحدث اليوم ؟ قال : أنه لا يعتقد أن الكائنات الحالية الآن تمر بنفس التحول !!!.. وأن هذه مشكلة المستقبل - على حد تعبير ابنه - !!!..

5...
الدكتور و. س. ويلس W. C. Wells .. أو William Charles Wells
وهو الذي أخذ عنه داروين وغيره (مثل ألفريد راسيل والاس) فكرة الانتخاب أو الانتقاء الطبيعي !!
حيث في عام 1813م ألقى الدكتور ويلس أمام الجمعية الملكية بحثا ًعنوانه :
(( وصف لأنثى بيضاء : يتشابه جزء من جلدها مع جلد أي زنجي )) !!!.. ولكن لم يتم نشر البحث حتى ظهور كتابه (( مقالتان عن الرؤية المبهمة والرؤية الواضحة )) عام 1818م !!.. وهو الذي أظهر فيه الإشارة إلى الانتقاء الطبيعي : حيث تنتقي الطبيعة الزنوج والأخلاس (الأخلاس هم الخلطاء مثل المولود لزنجي وبيضاء مثلا ً) : تنتقيهم الطبيعة في المناطق الحارة لأنهم لديهم المناعة ضد بعض أمراض تلك المناطق !!!.. ومن هنا اتفق داروين مع ويلس في ملاحظته لـ :
1- أن الكائنات الحية تختلف اختلافات وتمايزات ولو إلى درجة ما فيما بينها ..
2- أن المزارعين يقومون بالتهجين لتحسين حيواناتهم الداجنة بانتقاء السلالات وتزويجها ..
فأشار ويلس إلى أن (مثل) هذا الانتقاء هو ما تقوم به الطبيعة : ولكن بطريقة أكثر بطءا ً!!!..

وأقول أنا أبو حب الله :
إن كان الرجل صدق فيما افترضه لمحاولة تفسير تمركز الزنوج في المناطق الحارة : فقد كذب والله في نسبته لانتقاء للطبيعة !!.. فلا الطبيعة لديها كيان ولا علم : ولا حتى إدراك للتمييز ولا للاختيار : فضلا ًعن عجزها التام عن إنشاء هذه المخلوقات ابتداءا ً: ثم تمايزاتها وتنوعاتها في كل حيوان ليلائم طبيعته تماما ًبتمام !!!.. ولكنه رب العالمين سبحانه ...!

وجدير بالذكر أن تفسير الدكتور ويلس لتمركز الزنوج في المناطق الحارة لملاءمة أجسادهم لذلك وعدم ظهور أمراض فيها بسبب الشمس : قد قام بمثله لتفسير تمركز البيض في المناطق الباردة أيضا ..
وقد أشرت لقريب من هذا في فصل قادم عن الإسلام والتطور : وآدم وحواء والتنوع الجيني ..

وقد اعترف داروين كما قلت لويلس بأنه صاحب فكرة الانتخاب الطبيعي فقال :
Wells distinctly recognises the principle of natural selection, and this is the first recognition which has been indicated
Darwin, Charles 1866. The origin of species by means of natural selection. Murray, London, 4th and subsequent editions, in the preliminary - Historical sketch

والآن ...
فسوف أذكر (باختصار) مَن ذكرهم داروين بعد ذلك من مجموعة علماء في النباتيات وغيره : ممَن اتفقوا على عدة مباديء مهدت لفكر داروين .. سواء في استخفافهم بإعجاز ظهور الحياة والخلية الحية لأول مرة - نتيجة شيوع فكرة التوالد التلقائي في زمانهم - وأن الأنواع التي نتجت من التهجين في فترات من الزمن – سواء نباتية أو حيوانية - : هي التي صارت بعد ذلك أنواعا ًثابتة كما نعرفها اليوم ! ولكنها غير قابلة للتهجين من جديد !!!.. إلى آخر هذه الافتراضات عن النشأة الأولى للكائنات وتحولها : والتي إن أردنا أن نجمع آراءهم كلهم في جملة واحدة بما فيهم داروين ومَن بعده وإلى اليوم لقلنا عنها :
((مجموعة خيالات محضة لا دليل عليها غرضها الوحيد : التملص من الخلق المباشر من الله عز وجل))
وإليكم أسماءهم وأشهر أعمالهم كما ذكرهم داروين في نبذته قبل صدور أول طبعة من كتابه عام 1859م

6...
1822م : و. هيربرت W. Herbert
الجزء الرابع من موسوعته (المعاملات البستانية) وكتابه عن (الفصيلة النرجسية)

7...
1826 - 1834م : الأستاذ جرانت Prof. Grant
الفقرة الاستخلاصية من مقاله عن (الإسفنجيات) - محاضرته الـ 55 في مجلة (لانسيت)

8...
1831م (مكتوبة في الترجمة بالخطأ 1931م) - 1860م : باتريك ماثيو Patrech Matthew
بحث عن (الأخشاب المناسبة للبحر وزراعة الأشجار)

9...
1836م : فون بوش Von Bush
كتابه (الوصف المادي لجزر الكناري)

10...
1836م : رافينيك Rafinesque
كتابه (الحياة النباتية الجديدة في أمريكا الشمالية)

11...
1843- 1844م : هالديمان Haldeman
الجزء الرابع من مجلة (بوسطن للتاريخ الطبيعي للولايات المتحدة)

12...
1844م : كاتب مجهول .. في الطبعة العاشرة 1853م من كتابه (الآثار المتبقية من الخليقة) ص 155 :
وقد حاول دمج التطور والتغير بالعناية الإلهية - ومثلما يحاول بعض المسلمين اليوم - .. وقد نقده داروين - رغم سعادته به لإثارته للموضوع أصلا ًفي بلد مثل انجلترا في ذلك الوقت كتمهيد لما سيأتي- قد نقده داروين في حصره لأساليب التغير بالطفرات ! وبثبات الصفات المكتسبة من الطبيعة ! وضرب داروين مثالا ًعلى تلك الصعوبة في تخيل التطور بالطفرات المفاجئة مثلا ًبأن تخرج لنا طائرا ًمثل نقار الخشب !
< ولذلك نجد الداروينيين والتطوريين بالانتخاب الطبيعي : دوما ًضد القائلين بالتطور بالطفرات >

13...
1846م : م. ج. دوماليوس دهالوي M. J. d'Omalius d'Halloy
بحث له في (نشرات معهد بروكسل الملكي - الجزء 13)

14...
1849م : أوين Owen
كتابه (طبيعة الأطراف) - خطابه إلى (الجمعية البريطانية) 1858م
وهو الشخص الذي انخدع به داروين حيث كان يظنه ممَن يعولون على ثبات الخلق الإلهي وانفصال كل حيوان عن الآخر : ثم تبين له أنه لم يكن يقصد بتعبيره : (العملية المستمرة للقوة الخالقة) أنه معها !!.. ولكنه قصد أن المؤمن بها لن يستطيع تفسير غرائب الكائنات الحية مثل قصر وجود طائر الكيوي في نيوزيلنده .. وكذلك حالة طائر الطهيوج الأحمر !!.. وهو ما ظهر أكثر في كتابه بعد ذلك (علم التشريح الخاص بالفقاريات) .. حيث اعترف بأن الانتقاء الطبيعي قد يكون له تأثير في تكوين نوع جديد : مع اعترافه بأن ذلك لا دليل عليه أو غير صحيح !!!..

وقد اشتكى أوين : أنه هو الذي قال بالانتقاء الطبيعي قبل داروين !!!..
ودافع داروين عن نفسه أن كتابات أوين نفسها صعبة ومتضاربة أحيانا ً..
وفي النهاية : يعلن داروين أنه سواء هو أو أوين :
فقد سبقهما للقول بالانتقاء الطبيعي كل ٌمن : الدكتور ويلس : والأستاذ ماثيو !!!..

15...
1851م : الدكتور فريك Freke
دورية صادرة له من (مطبعة دبلن الطبية) : أعلن عن احتمال انحدار جميع الكائنات العضوية من شكل واحد بدائي ! ولكن داروين يقول أنه يختلف معه في الخلفيات الخاصة بإيمانه وبطريقة معالجته للموضوع
وله مقالة 1861م بعنوان (نشأة الأنواع الحية عن طريق الصلة العرقية العضوية)

16...
1852- 1858م : هيربرت سبينسر Herbert Spencer
مقالة له في مجلة (القائد) للمقارنة بين نظريات الخلق : والنشوء والارتقاء .. ثم افتراضه تحول الكائنات تأثرا ًبالبيئة ..

17...
1852م : م. نودين M. Naudin
مقالته عن (نشأة الأنواع الحية) عزى الانتقاء لما أسماه (القوة المطلقة) ولكنه لم يفسر آلياتها الطبيعية ..

18...
1853م : الكونت كيسرلنج Count Keyserling
فكرته التي اقترحها في المجلد الثاني - الجزء العاشر من (نشرة الجمعية الجيولوجية) وهي أنه كما أن أمراضا ًجديدة قد نتجت من بعض الأبخرة العفنة المنبعثة من مستنقع : فظهرت للوجود بعد أن لم تكن موجودة : ثم انتشرت : فكذلك يمكن أن يكون قد حدث تأثير كيميائي على بذور الأنواع الحية الأولية : فأنتجت أشكالا ًجديدة من الكائنات الحية : هي الموجودة حاليا ً!!!..

19...
1853م : الدكتور شافوزين Schaaffahausen
نشر كتيبا ًعن (نشوء وتطور الأشكال العضوية على الكرة الأرضية)

20...
1854م : م. ليكوك M. Lecoq
كتب الجزء الأول من (التعلم في الجغرافيا النباتية) ..

21...
1855م : بادن بويل Baden Powell
تحدث عن رؤيته الجديدة عن فلسفة الخلق في مقالاته عن (اتحاد العوالم) .. وذهب فيها إلى أن نشوء أنواع الكائنات الحية هو عملية نظامية وليست عرضية : أو هي عملية طبيعية : ولا تخضع للعمليات الإعجازية !!!..

22...
1850م : فون بير Von Baer
صرح بفكرته أن الأشكال الحية المختلفة حاليا ً: لم تكن إلا لشكل أبوي واحد في الماضي !

23...
1859م : الأستاذ هكسلي Prof. Huxley
ألقى محاضرة أمام (المؤسسة الملكية) عن (الأنماط الدائمة الخاصة بالحياة الحيوانية)

24...
1859م (مكتوب في الترجمة بالخطأ 1895) : الدكتور هوكر Hooker
كتابه (مقدمة إلى الحياة النباتية الأسترالية) يقول فيه بالنشوء وتعديلات الأنواع

25...
وأخيرا ً: ولأكثر من مرة خلال كل ذلك : يعترف داروين بأسبقية ويلس William Charles Wells إلى القول بالانتقاء الطبيعي ... ويذكر أن ذلك موجود في الجزء الثالث من (جريدة الجمعية اللينيائية) .. وسميت كذلك نسبة ًإلى عالم النبات السويدي كارل فون ليني .. هذا غير ذكره كذلك للمخطوطة التي راسله بها ألفريد راسيل والاس Alfred Russel Wallace عن الانتخاب الطبيعي : وقبل صدور كتاب داروين بعام واحد : فوافقه داروين في معظمها : واختلف عنه والاس في أشياء سأذكرها في المشاركة القادمة .. كما تأثر داروين كذلك بأفكار جده أرازموس داروين ..
------------

وهكذا نرى أن داروين : لم يكن مبدعا ًعلى قدر ما كان ناقلا ًومُجمعا ً: تحذوه مشاعره الإلحادية للتملص من سلطان الخالق عز وجل : مثله في ذلك مثل أكثر مَن تأثر بهم في أفكاره تلك ..
ومن المعلوم أن والده كان يريد أن يسلكه في السلك الطبي .. ثم الكنسي بعد فشله في التعليم .. ولكنه لم يستهويه كل ذلك .. وخصوصا وقد بدأت أفكار التملص من الدين لديه مبكرا ًفي عمر الـ 22 تقريبا ..! وإنما جمع العينات والسفر على ظهر السفن حول العالم : ولإثبات أفكاره التي قرأ عنها وتأثر بها ربما ..!

ويمكن القول بالنظر لأقوال كل مَن ذكرهم داروين :
أنه في هذه الخمسين عاما ًالتي سبقت ظهور كتابه الأول أصل الأنواع : كانت واضحة ٌجدا ًتلك الإرهاصات التي تنتظر ولادة إلحادية لتجمع كل هذه الأوهام والأكاذيب والفرضيات المتهافتة للتملص من حقيقة الخالق عز وجل : وتسلكها في فرضية واحدة تخرج للناس في شكل نظرية علمية براقة خادعة !
أي أنه : لو لم يكن داروين فعلها في ذلك الوقت : لكان غيره !! ولكن تميز داروين عن غيره بـ :

1-
قوة دافعه الداخلي لإثبات التطور - والتي ظهرت بوضوح في تخطيه عمدا ًعلى عشرات الأسئلة الصعبة والمستحيلات في نظريته : مهونا ًإياها وموحيا ًبأنها لن تهدم نظريته إلا القليل منها - ! والذي لم يستطع أن يماطل فيه فأوكله للمستقبل تهربا وسرابا ً!.. وذلك مثل معضلة عدم وجود أي حفريات انتقالية تترجم التغييرات التي من المفترض أنها حدثت وفق نظريته وافتراضاته العقيمة : وهو ما لم ولن يتحقق وإلى اليوم ..!

2-
تميزه بخبرة مشاهداته الواسعة والكثيرة لمختلف الكائنات الحية : وذلك في رحلاته البحرية الطويلة مثل رحلته على ظهر السفينة الملكية البريطانية بيجل  Beagle‏.. والتي سجل فيها معظم ملاحظاته ..

3-
تعميماته لأسس فرضياته وإعادة تقديمها مع آليات كل مَن سبقوه في شكل نظرية واحدة متكاملة .. وقد غطى بكتابه أصل الأنواع على أسبقة ألفريد والاس في عرضه لنظريته عن الانتخاب الطبيعي هو أيضا ً!
وهو ما سوف نراه في المشاركة القادمة كما قلت ..

وأعتذر عن الإطالة ...
ولكن عزائي أن أكون قد أعطيت المقدمة الكافية لنعرف كيف نشأت أفكار التطور وصولا لداروين ..
والله الموفق ..