الأربعاء، 15 يناير 2014

8)) هل كان ألفريد راسيل والاس : أذكى من داروين ؟؟!!..

الإجابة عندي – ورغم بطلان ما جاء به الاثنان من خرافة الانتخاب الطبيعي - :
إلا أنه : نعم .. قد كان ألفريد راسيل والاس : أذكى من داروين !!!..
والسبب بسيط ...!

وهو أنه رغم وصول الاثنان لنفس النتيجة عن تفاصيل الانتخاب الطبيعي لتفسير التطور والتنوع بديلا عن الله تعالى : وهو شيء متوقع وليس بغريب : بل وسبقهم بوضع فكرته ويلس وغيره كما مر بنا :
إلا أن والاس قد استثنى ثلاثة أشياء من فرضيته عن الانتخاب الطبيعي .. وهو ما سنعرفه بعد لحظات ..

ولكن قبلها أقول :
كان الشاب ألفريد راسيل والاس Alfred Russel Wallace مهتما بالسفر مثله مثل داروين .. وباحثا في علوم الأرض والأحياء والإنسان .. حتى أنه كان من أشهر رجال الجغرافيا البيولوجية في القرن الـ 19 ! وكان قد سبق داروين بتقديم مخطوطة عن الانتخاب الطبيعي : وهي التي أرسلها إلى داروين قبل عام واحد فقط من إصدار داروين لكتابه !!.. ثم ساند داروين من بعدها في إبراز فرضيته للمجتمع آنذاك ..

ومن يومها وقد اشتهر داروين وكتابه (لأنه كان أكبر سنا وأشهر من والاس ساعتها وأغنى منه) : ولم يلتفت أحد بأي اهتمام يُذكر لمخطوطة ألفريد راسيل والاس والتي لم ينشرها قبل إرسالها لداروين !!..

وهذا ليس كلامي .. ولكنه ما بدأت الصحف في الخارج مؤخرا بإظهاره للعامة للإعلاء من شأن والاس من جديد – ربما بعدما أحسوا بقرب نهاية سقوط صنم داروين عالميا ً!! – مثل صحف ذي أوبزيرفر The Observer البريطانية وكذلك الجارديان Guardian إلخ .. وظهرت عناوين مثل :

Recognition at last for Alfred Russel Wallace, who lived in Darwin's shadow
--------
Alfred Russel Wallace, the forgotten man of evolution, gets his moment
--------
Darwin's rival Alfred Russel Wallace recognised at last

ونقرأ من ذلك مثلا قول الدكتور جورج بيكالوني George Beccaloni أمين متحف التاريخ الطبيعي :
" كان والاس هو الذي لديه ورقة للنشر .. ولو كان قام بإرسالها لإحدى الصحف مباشرة ً: كان سيتم نشرها .. وكان سيتم نسبة اكتشاف الانتخاب الطبيعي لوالاس " ..

والنص بالإنجليزية :
  Wallace was the one who had the paper ready for publication, and if he'd sent it directly to a journal it would have been published and natural selection would have been Wallace's discovery
    

وجاء في تعليق موقع الجزيرة نت على الخبر بتاريخ الأحد 8/3/1434 هـ - الموافق 20/1/2013 م :
ذكرت صحيفة ذي أوبزيرفر في عددها اليوم الأحد أن ألفرد راسل والاس هو من وضع نظرية "الاصطفاء الطبيعي" وليس عالم التاريخ الطبيعي البريطاني تشارلز داروين، الذي قالت إنه استغل علاقاته ليصنع لنفسه مجداً.

وأشارت الصحيفة إلى أن والاس ليس اسماً معروفا لدى الناس، لكنه شخصية غيَّرت العالم.
وبينما كان والاس -عالم الأحياء البريطاني الشاب- يتماثل للشفاء من نوبة ملاريا بجزيرة هلماهيرا الإندونيسية النائية، عنَّت له فكرة كانت سببا في تغيير نظرة البشرية إلى نفسها: فقد صاغ نظرية الاصطفاء الطبيعي.

والاصطفاء (أو الانتقاء) الطبيعي هو العملية التي تقوم بتفضيل سمة وراثية مورثة لتصبح أكثر شيوعا بالأجيال اللاحقة. فهي التي تكون أقوى من السمات الأخرى لتنتج جيلاً قوياً خالياً من العيوب والأمراض عن طريق معرفة الأمراض والعوامل التي آذت الأجيال السابقة، ووضع المقاومة الصحيحة لها في الأجيال التالية حتى تبقى السلالات في مأمن من الخطر والانقراض.
وأوضحت ذي أوبزيرفر أن والاس دوَّن فكرته خطياً وبعث بها إلى داروين، الذي قالت إنه كان يمعن الفكر لما يربو على عقد من الزمان في نظرية مشابهة عن النشوء والارتقاء.

غير أن داروين هو من حاز بعد ذلك على نصيب الأسد من الفضل والشهرة لنظريته التي تضع آلية لشرح تطور الحياة في سائر الحيوان عبر عملية نشوء وارتقاء تدريجي.
ومنذ ذلك الحين طوى النسيان ألفرد والاس. لكن أمناء متحف التاريخ الطبيعي في لندن قرروا أن يطلقوا مشروع (والاس 100) الذي يهدف إلى تصحيح  هذا الخطأ.

وسيتم الخميس القادم تعليق صورة والاس -التي ظلت قابعة لسنوات بأحد المخازن- بجانب تمثال مهيب لداروين مطل على قاعة المتحف الرئيسية. كما ستُنشر كل مراسلات والاس على شبكة الإنترنت ..
----------

أشهر اختلافات والاس عن داروين ؟؟..

أقول : وهي التي من أجلها حكمت عليه أنه أذكى قليلا من داروين ... وهي :
1...
فرضيته عن الانتخاب الجنسي (أو الانتقاء الجنسي) : وذلك محاولة منه لتفسير الجمال المبهر في الكائنات الحية والذي لا يحتاج العاقل لكثير تفكير حتى يدرك أنه من إبداع مبدع عن مشيئة وإرادة !!.. يقول داروين :
" أما الآن .. فبعض البُنى الواضحة في الطبيعة تزعجني ! مثلا رؤية ريش الطاووس : تمرضني " !!
Darwin retried and appeal to reason 1971 p.101

وأتساءل : لماذا كانت رؤية ريش الطاووس الجميلة تسبب المرض لداروين وتصيبه بالعجز ؟!!..

أقول :
لأنه وحسب فرضياته في إقصاء الانتخاب الطبيعي لكل ما لا يفيد الكائن الحي في معركة البقاء للأقوى :
فكان الأحرى بالانتخاب الطبيعي هنا تخليص الطاووس من ريشه الكبير والطويل والمعيق له في الحركة والسرعة ربما : ومقارنة بغيره من الطيور !!!.. ولكن هذا لم يحدث !!!..

ومن هنا يظهر ذكاء والاس في اقتراحه لفرضية (الانتخاب الجنسي) والتي قدمها لداروين وتساؤلاته التي راسل بها والاس : وهو أن سبب الإبقاء على جمال ريش الطاووس هو ارتفاع فرصته في التزاوج : لأنه رأس ماله أمام الأنثى ! ولذلك نرى الطاووس الذكر دوما يختال بريشه : ويعرضه أمام أنثاه !!!..

كما أنه قد فسر أيضا الإبهار في ألوان الفراشات وأجنحتها أنها لتحذير أو تخويف الطيور ...!
وبالطبع هذه التفسيرات لهذه الفرضيات : هي ساقطة هي الأخرى وسوف أتعرض لها فيما بعد .. ولكن ما يهمنا الآن أن والاس كان أذكى من داروين - على الأقل - أمام هذه المعضلة ومحاولته إيجاد تفسيرات لها ! وذلك بعكس داروين الذي ترك الكثير من الأسئلة الهادمة لفرضياته والمتناقضة معها : بغير إجابة !

2...
وأما الاختلاف الثاني لوالاس عن داروين .. فهو يقينه الدائم من وجوب وجود قوة روحية عليا وكبرى في الكون : ولم يستبعد أن يكون هدفها الأسمى هو خلق الإنسان على قمة رأس المخلوقات الحية !!..
 ونقرأ في صفحة الويكيبديا الإنجليزية للتعريف به :

الكلام التالي :
Wallace's belief that natural selection was insufficient to explain the development of consciousness and the human mind was directly caused by his adoption of spiritualism

والترجمة :
أن والاس كان مؤمنا بأن الانتخاب الطبيعي : لا يكفي لشرح تطور الوعي ..! وكان مؤمنا بأن عقل الإنسان : قد وُجد من هذه القوة الروحانية ..

فهو بعكس داروين : كان يولي اهتماما ًسابقا ًبوجود تلك القوة .. ويؤكد على لزوم تدخلها ثلاث مرات على الأقل في التاريخ :
1)) في إنشاء الحياة من مواد غير عضوية ..!
(وهو ما عجز التطوريون والملاحدة عن إثباته صدفه وكما سنبينه في فصل معضلات التطور)
2)) في منح بدايات الوعي للحيوانات العليا ...!
3)) في إخراج البشر في صورة المالك للعقل الكلي ..!

وهذا اعتراف ضمني من والاس باستثناء الإنسان من الآلية المادية للانتخاب الطبيعي كما قلت ..
ويحمل كلامه تأكيدا ًعلى وجود غائية من الخلق والحياة .. بل : ويضع على رأس تلك الغائية وجود الإنسان نفسه كما قلت منذ لحظات .. نقرأ ذلك بوضوح في Slotten pp. 413–15 حيث جاء فيه :
He eventually said that something in "the unseen universe of Spirit" had interceded at least three times in history. The first was the creation of life from inorganic matter. The second was the introduction of consciousness in the higher animals. And the third was the generation of the higher mental faculties in mankind. He also believed that the raison d'être of the universe was the development of the human spirit.

وهذا بلا شك أفضل حالا وصدقا مع نفسه واحتراما لعقله إذا قسناه بداروين الذي رغم فشله في تفسير سبب تطور عقل الإنسان عن القرود - وتوقف القرود - : إلا أنه - وككل عشرات المعضلات في كتابه أصل الأنواع - لم يثنيه ذلك عن المضي قدما في أيدلوجيته لتنحية الإله من الخلق والإبداع والتقدير سبحانه !!!..
يقول داروين :




المصدر : كتاب أصل الأنواع صـ 359 - ترجمة : مجدى محمود المليجى - تقديم : سمير حنا صادق - المجلس الأعلى للثقافة بمصر - الطبعة الأولى 2004م

ورغم محاولات الداروينيين والتطوريين إثنائه عن ذلك التفكير (ومنهم داروين نفسه الذي عارضه ورأى أن الانتخاب الجنسي الذي قدمه له والاس نفسه من قبل : يستطيع تفسير العديد من القيم التي استثناها والاس من مادية الانتخاب الطبيعي مثل الرياضيات والفنون والعبقرية الموسيقية والتفكير الميتافيزيقي أو الغير محسوس كالأحلام والغيب : بالإضافة للطرافة والفكاهة !) إلا أن والاس ثبت على مبدأه في أخريات حياته .. وهو أن للكون غرض وليس عشوائيا .. وأن العلم المادي : عاجز عن تفسير الحياة !

Much later in his life Wallace returned to these themes, that evolution suggested that the universe might have a purpose and that certain aspects of living organisms might not be explainable in terms of purely materialistic processes

وإلى هنا تنتهي هذه المشاركة ...
وينتهي معها هذا الفصل التقديمي الطويل (والذي أرجو ألا تكونوا قد مللتم منه J)
والذي كان (شارليز داروين) هو محور الحديث فيه :
عرضا ًونقدا وتعريفا ًوبيانا ً....

ونبدأ الآن إفساح المجال للخوض في غمار الفصل الثاني - الأهم هنا – ألا وهو :
معضلات التطور ...